في وقت تتسارع التطورات على خط الوساطة الاميركية لفض الخلاف الحدودي بين بيروت وتل ابيب، ويواصل مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد ساترفيلد اتصالاته بين الجانبين محاولا التوصل الى اتفاق يكون مرضيا لهما، حول آلية الترسيم، يبدو ان حزب الله بدأ يعدّ العدة للمرحلة المقبلة وما يمكن ان تحمله من تطورات وتحوّلات تطاله مباشرة بمفاعيلها.
فبحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، يتحضّر الحزب لكل الاحتمالات، وقيادته تسعى في اجتماعات تعقدها، بعضها عابر للحدود اذ تمتد خطوطها الى ايران، الى الاحتياط لجميع السيناريوهات الواردة، وهدف الضاحية الحفاظ على قوّتها السياسية وعلى قدرتها على التأثير في اللعبة المحلية.
فاذا سلك التفاهم الحدودي طريقه، وباتت حقوق لبنان النفطية في أمان، برعاية أممية واشراف أميركي، سيخسر حزب الله دورا اساسيا كان حدّده لنفسه ولسلاحه يتمثل في حماية ثروات لبنان ضد اي اعتداء اسرائيلي محتمل. واذا شمل هذا الاتفاق الحدودَ البرية ايضا، اذ يُحكى عن احتمال ايجاد صيغة تنزع فتيل الخلاف على لبنانيّة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فإن خطوة كهذه من شأنها ايضا إضعاف حجة الحزب في الإبقاء على سلاحه حتى “تحرير الاراضي اللبنانية التي لا تزال تحت الاحتلال”.
وتحسّبا لهذه المستجدات، تشير المصادر الى ان حزب الله يبدو في صدد إيجاد وظيفة جديدة لنفسه، تتمثل في محاربة اي مخططات لتوطين اللاجئين في لبنان. وفي هذه الخانة، تصب اثارة امينه العام السيد حسن نصرالله القضية في خطابه الاخير في ذكرى 25 ايار، في اطار “صفقة القرن” الاميركية المرتقبة. فقد حذّر من خطر توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي “يقترب بسرعة”، مشددا على ضرورة العمل من أجل إعداد خطة فلسطينية لبنانية مشتركة لمواجهة خطر التوطين. وأكد أن الجميع معنيون في “تحمل المسؤولية التاريخية في مواجهة صفقة القرن المشؤومة”، منوهاً بالموقف الفلسطيني العارم الموحد والصارم في رفض مؤتمر المنامة والدعوة إلى مقاطعته.
وفي موازاة المهمة الجديدة التي أعلنها نصرالله لسلاحه بإسقاط التوطين و”صفقة القرن”، فإن الحزب ايضا يحتاط “سياسيا”. فهو سيسعى الى تحصين موقعه داخل الدولة وتثبيت أرجله أكثر في “أرضها”، عبر مكتسبات جديدة سيحاول انتزاعها، من قَبيل الاستحصال على مواقع اساسية، أمنية وإدارية ومالية، وازنة. هذا إن لم يحاول تكريس “المثالثة” المعمول بها اليوم في شكل مبطّن، فتصبح امرا واقعا، مع ما قد يقتضيه ذلك من تعديل لاتفاق الطائف.
الى ذلك، يعمل الحزب على الانخراط اكثر في اللعبة المحلية عبر فتح ملفات حسّاسة أبرزها “محاربة الفساد”، وحمل لوائها عاليا، بعد ان انكفأ عنها طوال السنوات الماضية، ووضع التطورات الاقليمية وقضايا المنطقة، على رأس أولوياته.
كل ذلك يجري وسط تصميم اميركي غير مسبوق على محاربة ايران وأذرعها في المنطقة، بالعقوبات الاقتصادية وبالأدوات العسكرية اذا اقتضى الامر. فهل يمكن القول اننا دخلنا مرحلة إنتهاء فائض قوّة حزب الله في لبنان، أم ان وظيفته الجديدة “فلسطينيا”، والخناق الذي يشتد حول عنق طهران، سيزيدانه تشبثا بسلاحه؟