“نسمة” الانفراج عبرت وفتحت الباب “نصف فتحة”

“نسمة” الانفراج عبرت وفتحت الباب “نصف فتحة”
“نسمة” الانفراج عبرت وفتحت الباب “نصف فتحة”

في اقل من ثلاث ساعات، استضاف القصر الجمهوري في بعبدا الجمعة اجتماعين وضعا حدًا لمسألتين مهمتين: الأولى تتصل بما بلغه الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي الذي دخل مرحلة حرجة للغاية رغم كل التطمينات التي اطلقت على اعلى المستويات. والثانية انهت ترددات احداث قبرشمون – البساتين في  40 يوما على وقوعها تطورت خلالها المواقف وتعددت اشكال الاتهامات والسيناريوهات التي كات تودي بالبلد الى مكان آخر لا يتوقعه أحد قياسا على حجم الاحتقان الذي بلغته بعض الأوساط الحزبية وما كان بعض الأطراف سيقدم عليه.

لا يبدو ان التطورات كانت مرسومة بدقة في جانب كبير منها، ولاسيما على مستوى الوضع الاقتصادي. ويقول احد كبار المعنيين بالملف، لـ”المركزية”، ان التحذيرات التي اطلقها في السر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وكبار المصرفيين في جمعية المصارف ومؤسسات الدراسات الكبرى التي تواكب الأرقام المالية للخزينة وموجودات مصرف لبنان وحركة السوق لم يكن لها وقعها المطلوب من قبلهم على المستويات السياسية والحكومية.

ففي موازاة التطمينات الإعلامية التي دأب عليها سلامة وتقصّده زيارة رئيس الجمهورية كل عشرة ايام، كانت هناك تقارير سلمها الى المسؤولين تدعوهم الى الإسراع في اتخاذ كل ما يجب اتخاذه من خطوات لانهاء الشلل الحكومي واطلاق العجلة الاقتصادية والمالية والإدارية والتنبه الى ما يجري في القضاء من تدخلات رفعت منسوب القلق لدى المستثمرين الكبار المحليين والعرب والأجانب، كما بالنسبة الى مراكز المال والأعمال مخافة ان يفتقد لبنان ميزته في مجال الحوكمة والفصل في الخلافات المالية وسوق المال اليومية في مرحلة هي الأخطر بعدما انكفأ اصحاب رؤوس الأموال عن الساحة اللبنانية رغم حجم المغريات على مستوى الفوائد وعائدات المبالغ الكبيرة للسنوات الثلاث الأولى او الخمس الأولى من الودائع.

على هذه الخلفيات، وفي الوقت الذي عبرت فيه المراجع المالية والاقتصادية عن مخاوفها مما يمكن ان تقود اليه التطورات السياسية والأمنية من ترددات سلبية محتملة، فقد زاد منها الشلل الحكومي وخصوصا عندما تبلغ عدد من كبار المصرفيين ورجال المال ان رئيس الحكومة ربما مدد اقامته الخارجية ما لم يتم التوصل الى تفاهم يطلق العمل الحكومي من جديد وهو امر لن تكون له انعكاسات ايجابية على اي من القطاعات الحيوية في البلاد. فسلسلة الاجتماعات التي خصصها الحريري للّجان الوزارية، والتي اقترب بعضها من اعتباره “ميني جلسة” حكومية، لا تعوض غياب مجلس الوزراء عن حضوره ومباشرته بمعالجة عدد من الملفات الكبرى، ولاسيما تلك المتصلة بمرحلة ما بعد اقرار الموزانة للعام 2019 وما هو مطلوب من لبنان قبل البحث بتحريك الأموال المرصودة في مؤتمر “سيدر 1” واستعدادات بعض المجموعات المالية الاستثمارية للعودة الى السوق المحلية فور توفر الهدوء السياسي.

وقالت مصادر مالية ودبلوماسية غربية، لـ”المركزية”، ان المنحى التي اتخذته مواقف رئيس الجمهورية في الأيام القليلة الماضية ابعده عن موقعه الراعي لكل اللبنانيين فانطلقت التحذيرات، ويُقال ان بعضا من دبلوماسيي الصف الثاني في بعض السفارات في الدول الكبرى عاد الى بيروت على وجه السرعة لمراقبة التطورات في اعقاب المواقف التصعيدية التي صدرت من قبل رئيس الجمهورية والردود التي اعقبتها من الحزب “التقدمي الاشتراكي” والتهديد باللجوء الى خطوات على الأرض قد تسيء الى الوضع الأمني وتقضي على آخر الآمال المعقودة على موسم الاصطياف وعودة الخليجيين الى لبنان كما بالنسبة الى المغتربين اللبنانيين الذين ألغى عدد منهم مشاريع تمضية اجازاتهم الصيفية في لبنان.

وتأكيدا لسلسلة المخاوف هذه، فقد جاء بيان السفارة الأميركية ليختصر المشهد الدبلوماسي، وقد اعتبرت مراجع دبلوماسية بارزة، عبر “المركزية”، ان الكيل طفح لدى البعض منهم وخصوصا بعض السفارات الخليجية والغربية التي عبرت عن قلق ترجمه بيان السفارة الأميركية في وقت كان الاتحاد الأوروبي يستعد لإطلاق موقف مماثل وسط استعدادات لمواقف اخرى من حكومات خليجية دعيت أخيرا الى رفع نسبة استثماراتها في لبنان والمصرف المركزي. وليس ادل إلى ذلك وقف اكتتاب القطريين بالسندات اللبنانية عند حدود 120 مليون دولار بدلا من 500 مليون ترجمة للتعهد الذي قطعه امير قطر في اعقاب القمة الاقتصادية  – التنموية التي عقدت في بيروت في كانون الثاني مطلع العام الجاري.

على كل حال، فإن الرهان معقود على الدينامية الجديدة التي اطلقتها اجتماعات قصر بعبدا، وخصوصا انها جاءت بتبنّ مباشر من رئيس الجمهورية وكل من رئيسي مجلس النواب والحكومة، وهو ما يعطيها زخما اكبر. ولكن رغم اهمية ما اتخذ من قرارات، فإن ترجمتها في مجلس الوزراء وعبر المؤسسات والآليات الدستورية سيكون امرا مهما يشكل مساحة للتثبت من جديتها. فالتحركات التي ستلي عودة الرئيس الحريري من الرياض وواشنطن سيكون لها مردود سلبي كما الإيجابي ما لم تترجم الى خطوات عملية.

وعليه، فإن التوجهات السياسية والدبلوماسية لم ترض بما فيه الكفاية بانتظار التيقن من امكان تحقيقها، وهي ترغب بأن تسمي ما حصل مجرد “نسمة” انفراج ربما تتبخر بسرعة ما لم يتم التفاهم على الآليات التي تطلق العمل القضائي والإداري والحكومي، وهو امر لا يمكن التثبت منه قبل نهاية الأسبوع المقبل. فقد دخلت البلاد مدار عطلتي عيدي الأضحى والسيدة والى ما بعدهما يمكن التثبت من صحة الرهانات او خطئها.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى