رغم وجوده في السعودية لتمثيل لبنان في قمتين طارئتين تناقشان التطورات في المنطقة، أصرّ رئيس الحكومة سعد الحريري على عدم التأخّر في الرد على حكم المحكمة العسكرية في قضية المقدم سوزان الحاج امس، فعلّق عبر أوساطه بموقفٍ من العيار الثقيل، قال فيه “كان الأفضل لو أن القضاة في المحكمة العسكرية استمروا في اعتكافهم، ولَم يصدروا هذا الحكم”، قبل ان تنطلق قيادات “المستقبل” وفاعلياته، في حملة على الحكم واصفة اياه بالمسيّس والكيدي.
مسارعة التيار الازرق من رأس هرمه الى القاعدة، الى التصويب على الحكم الذي أبطل كل التعقبات في حق المقدم الحاج، ليست مستغربة، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”. فكيف لا ينتفض، وقد أتى الحكمُ، من حيث “الشكل”، بصورة تبدو موجّهة ضده؟ ففي سابقة من نوعها، أقدم مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس على تقديم مطالعته أمام المحكمة العسكرية، وطلب بنفسه كف التعقبات عن الحاج.
والحال ان خطوته هذه، حصلت فيما العلاقة بينه وبين المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، تمرّ بفترة توتّر، أو “برودة” في افضل الاحوال. واذ لم يعد سرا ان الاول يحظى بدعم التيار الوطني الحر، والثاني محسوب على “المستقبل”، رأى “الأزرق” أن الحكم يأتي في سياق الحملة التي تُشنّ بوسائل ومسمّيات مختلفة، على عثمان، لازاحته من منصبه، وقد اراد جرمانوس منه كسر عثمان وتحدّيه. فالاخير كان أقال المقدم الحاج من مركزها كرئيسة لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، كما قرر إحالتها الى المجلس التأديبي وطردَها من قوى الأمن الداخلي. مع العلم ان جرمانوس ادعى منذ اسابيع على عثمان متهماً اياه بمخالفة قراره القاضي بفتح تحقيق بمخالفات مزعومة ارتكبتها قوى الأمن الداخلي عبر إعطاء الأذونات بحفر آبار ارتوازية، والتغطية على مخالفات بناء، وتعديات على الأملاك البحرية والنهرية، والترخيص لكسارات تعمل خلافاً للقانون.
ولم يبق “المستقبل” وحيدا في انتقاد ما جرى، بل لاقاه اليوم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي غرد قائلاً “كل محاولاتنا مع بقية الصادقين والشرفاء لنزع صورة الفساد عن لبنان وإعطاء الصورة المطلوبة تلقت ضربة قاسية وموجعة ومؤلمة جرّاء احكام قضائية بخلاف كل الحقيقة والوقائع والمنطق”. وسأل “كيف للآخرين ان تكون لهم ثقة بمؤسسات الدولة اللبنانية في ظل احكام من هذا النوع”؟
امام هذا المشهد المعقّد، تقول المصادر ان أوّل ضحايا الكباش القائم، هو القضاء وهيبته ودوره كسلطة مستقلّة في الدولة اللبنانية. وبغضّ النظر عن أحقية التشكيك في عدالة الحكم او عدمها، فان انتقاد فريق سياسي بحجم “تيار المستقبل”، الذي يشغل رئيسُه منصب رئيس الحكومة، القضاء، بعباراتٍ تكاد “تنعيه”، يشكّل “صفعة” معنوية قوية له، ستُلحق اضرارا كبيرة بصورة هذه السلطة، في ذهن المواطن الذي من المفترض ان يلجأ اليها كمرجعية صالحة ونزيهة وحيادية قادرة على الحكم بعدالة وموضوعية في اية نزاعات.
وبما ان سقوط هيكل القضاء سيعني سيادة شريعة الغاب، فإن المصادر تلفت الى ان لا بد من إبعاد المحسوبيات السياسية عن القضاء وعن التعيينات القضائية، وترى ان اعادة الاعتبار الى الآليات الدستورية التقنية البحتة، ليصل الشخص المناسب الى المكان المناسب بفضل كفاءاته ومهاراته، لا بفضل علاقاته وآرائه السياسية، اضافة الى تعزيز قدرات القاضي المالية والمادية لتحصين استقلاليته، أمور أكثر من ضرورية، لتفادي سيناريوهات شبيهة بتلك التي تحصل اليوم…والا فعلى لبنان السلام.