وفي يشهد مطار بيروت زحمة طائرات مساعدة من جميع الدول المتضامنة مع البلاد في محنتها، يصل الى بيروت اليوم الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط، الذي نقل رسالة تضامن عربي، ونائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، كما يصل رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، الذي سيمثل الدول الاعضاء، في مؤتمر الجهات المانحة، الذي تنظمه فرنسا بسعي مباشر من الرئيس ايمانيول ماكرون، والذي أرجئ من يوم غد الى موعد اخر، لتأمين مساعدات عاجلة لسكان مدينة بيروت.
تظاهرات اليوم
واليوم، تتجه أنظار السلطة إلى الشارع على وقع تواتر معطيات نقلتها أوساط في الحراك المدني وتفيد بأنّ بعض المسؤولين الرسميين أجروا اتصالات خلال الساعات الأخيرة ببعض المعنيين الأمنيين والعسكريين للتشديد على ضرورة ضبط إيقاع التحركات الشعبية ومنع تفلّت الأمور تحت وطأة تعاظم نقمة المواطنين جراء انفجار بيروت، وحذرت الأوساط في المقابل من أنّ "أي محاولة قمعية من جانب السلطة وأجهزتها ضد المتظاهرين اليوم سيؤدي إلى اشتعال الشارع أكثر"، متوجهةً إلى الطبقة الحاكمة بالقول: "إحذروا غضب الناس هذه المرة ولا تضعوا العسكر في مواجهة شعبه".
التحقيقات انطلقت
وفي حين عادة الاصطفاف السياسي بين 8 و14 آذار حول ضرورة ان يكون هناك تحقيق دولي في هذا الانفجار، تواصلت التحقيقات الداخلية أمس، حيث استدعي كل من المدير العام للجمارك بدري ضاهر، والمدير السابق شفيق مرعي، ومدير المرفأ حسن قريطم.
وأكدت مصادر مطلعة على ملف التحقيقات لـ"نداء الوطن" أنّ الأمور وصلت إلى خواتيمها على صعيد عمل لجنة التحقيق التي يترأسها رئيس الحكومة حسان دياب، كاشفةً أنّ "ما توصل إليه التحقيق هو أنّ شرارة نيران تطايرت جراء عملية التلحيم ووصلت إلى مخزون من المفرقعات ما أدى إلى اندلاع الحريق الأول بدايةً، ثم ما لبثت المفرقعات أن بدأت بالانفجار تباعاً وأسفرت في نهاية المطاف عن انفجار مخزون النيترات الموضّب في المرفأ".
وبينما تخطى عدد الموقوفين العشرين شخصاً على ذمة التحقيق، كشف مصدر قضائي لـ"الشرق الأوسط"، أن "لائحة التوقيفات مرشحة للارتفاع، وستطال رؤوساً كبيرة باتت في دائرة الشبهات"، مؤكداً أن "تبعات الكارثة التي أصابت بيروت جرّاء تفجير العنبر رقم 12 في المرفأ، لا يتحمّل مسؤوليتها موظفون وإداريون وعمّال في المرفأ، بل تقع على عاتق الكبار سواء رئاسة المرفأ وإدارة الجمارك والمسؤولين الأمنيين فيه، وصولاً إلى كل الوزراء والسياسيين الذين تعاقبوا على المسؤولية منذ إفراغ 2750 طناً من "نترات الأمونيوم" بالمرفأ في ربيع عام 2014 حتى وقوع الانفجار، وكل من كانوا على علم بوجود هذه المواد المتفجرة والخطيرة وأهملوها عن قصد أو تقصير".
ونقلت المصادر أنّ من بين الموقوفين "العمال السوريين الثلاثة الذين تولوا عملية تلحيم باب العنبر، بحيث أفادوا خلال التحقيق معهم أنهم كلفوا بهذه المهمة ولم يكونوا على علم مطلقاً بالمواد المخزنة خلف الباب، فأنجزوا مهمتهم وغادروا المرفأ قبل نحو ساعة من الانفجار لكي يتبيّن لاحقاً أنّ إحدى شرارات عملية التلحيم كانت قد تطايرت إلى داخل العنبر الذي يحوي مفرقعات فأحدثت حريقاً سرعان ما أدى إلى أكثر من تفجير صغير كما ظهر في الفيديوات المسجلة للحظات الأولى التي توثق حادثة اندلاع النيران في المرفأ إلى أن شكلت هذه التفجيرات ما يشبه الصواعق المحفّزة لتفجير مادة النيترات"، مشددةً على أنّ "مستوى الإهمال كان كبيراً في هذا الملف إلى حد تبيّن معه أنّ متعهد أعمال الصيانة لم يكن على دراية بالموجودات داخل العنبر الذي كُلّف صيانة بابه، بينما كان من الواجب على إدارة المرفأ أن تطلعه على وجود مواد شديدة الاشتعال والانفجار في المكان لكي ينبّه عماله إلى ضرورة توخي الحذر".
ورغم مرور ثلاثة أيام على التفجير المدمّر، لم تحدد المرجعيات المعنية بالتحقيق الأسباب الحقيقية التي تسببت بتفجير مخزن "نترات الأمونيوم"، إلا أن مصدراً أمنياً أوضح لـ"الشرق الأوسط" أن "التحقيق الفني اقترب من الإمساك بالخيط الذي يكشف دوافع التفجير". لكنه جزم بأن "فرضية تفجير المخزن بصاروخ باتت مستبعدة إلى حدّ كبير"، مؤكداً أن "خبراء التفجير اللبنانيين والفرنسيين اطلعوا على الصور التي وردت من القوات الجوية أو من القاعدة البحرية القريبة من مرفأ بيروت، وتبيّن أن الفيديوهات المتداولة في الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتظهر سقوط صاروخ في موقع التفجير هي صور مفبركة ومركّبة وتفتقر إلى المصداقية"، لكن المصدر الأمني لم يستبعد "فرضية العمل الأمني"، مشيراً إلى أن مزاعم تفجير "نترات الأمونيوم" نتيجة عملية تلحيم لأحد الأبواب الحديدية تفتقر إلى الدقة. وجزم بأن "مادة النترات لا تشتعل بسهولة، وهي تحتاج إلى حرارة مرتفعة بحدود 220 درجة مئوية، أو إذا تسرّبت إليها مادة سائلة تغلي على درجة الحرارة المرتفعة المشار إليها".
وعلمت "الأخبار" ان التحقيق أظهر ان العنبر الذي خُزنت فيه شحنة الأمونيوم لم يكن مجهزاً بنظام اطفاء، ويتضمن تمديدات كهربائية عادية يُمنع وجودها في مراكز تخزين المتفجرات والمواد القابلة للانفجار أو الاشتعال. كما بيّنت التحقيقات الأولية، التي لا تزال إلى الكثير من التدقيق والتمحيص، أن تلحيم الفجوات في جدار العنبر وبابه أدى إلى اشتعال الحريق. ومع فتح عناصر فوج الاطفاء باب العنبر، أدى دخول الاوكسيجين الى اشتداد الحريق لتصبح المادة المشتعلة كتلة متفجرة واحدة. التحقيق أشار الى فرضية مفادها أن كمية نيترات الامونيوم البالغة ٢٧٥٠ طنا ربما لم تنفجر بالكامل لأن جزءاً منها كان قد تلف بمرور الزمن. وأوضح أن المديرية العامة لأمن الدولة التي كشفت على العنبر قبل أشهر، وأعدّت تقريراً بشأن مخاطر بقاء نيترات الأمونيوم داخله لم تقم بإحصاء محتوياته.
ورداً على سؤال، أكدت المصادر أنّ "التحقيقات لم تُثبت ضلوع الطيران الإسرائيلي أو أي قصف صاروخي بوقوع انفجار المرفأ"، كاشفةً أنّ "رادارات الجيش اللبناني لم تظهر أي شيء من هذا القبيل، ولكن التحقيقات لا تزال مستمرة في ما يتعلق بهذه الفرضية ولم تُحسم بعد 100%"، كما لفتت إلى أنّ "عمليات فحص التربة في مكان الانفجار من أكثر من زاوية وفي أكثر من بقعة لم تُظهر سوى مخلفات مادة النيترات ولم يتبيّن أي أثر لما يمكن اعتباره بقايا صاروخ، غير أنّ التحقيقات ستتواصل في هذا المجال بانتظار ما سيتم تزويد السلطات اللبنانية به من صور للأقمار الاصطناعية".
وعن الجانب المتعلق بإهمال إدارات وأجهزة الدولة، أوضحت المصادر أن هناك أكثر من علامة استفهام تطرح حول هذه النقطة وأبرزها: "لماذا لم يقم الجيش اللبناني بوضع اليد على كميات النيترات التي علم منذ العام 2015 بوجودها، ولماذا لم يبادر إلى إزالتها أو تلفها، سيما وأنها تعتبر مادة شديدة الانفجار ولها استخدامات عسكرية؟ ولماذا تأخر تحقيق مديرية أمن الدولة في هذا الملف خصوصاً وأنها اكتشفت وجود مخزون المواد الكيماوية في شهر 12 من العام 2019 لكنّ التحقيق لم يبدأ في القضية إلا بحلول شهر 5 من العام 2020، فلماذا تأخر انطلاق التحقيق 5 أشهر؟" مشددةً على أنّ التعاطي الرسمي والإداري والأمني في مقاربة موضوع بهذا الحجم من الخطورة لم يكن على القدر الكافي من المسؤولية "فعلى الأقل كان يجب فتح أبواب العنبر وجرد موجوداته كماً ونوعاً بدل الاكتفاء بتلحيم بابه وسد الثغرات فيه، سيّما وأنّه مما تبيّن في التحقيقات على سبيل المثال أنّ جهاز أمن الدولة لم يكن يعلم بوجود مفرقعات وتينر وغيرها من المواد المشتعلة والمتفجرة إلى جانب مخزون النيترات، هذا عدا عن أنّ عدم إحصاء كمية المخزون من هذه المواد الكيماوية يفسح المجال أمام تسريب بعضها أو تهريبه لأغراض ربحية أو إرهابية، علماً أنّ بعض الخبراء يرجّح أن تكون الكمية التي انفجرت في العنبر رقم 12 أقل من 2700 طنّ من نيترات الأمونيوم لأنّ انفجار كمية بهذا الحجم كان ليسبب ضرراً أكبر بكثير مما حصل".