أنشأ عدد من الأشخاص المجهولين حسابات وسائل تواصل اجتماعي أميركية مزيفة لانتحال صفة صحافيين، والقيام بتوزيع الرسائل على الصحف، كما انتحلوا صفة مرشحين من الحزب الجمهوري للكونغرس، في محاولات واضحة للترويج لسياسات النظام الإيراني، بحسب تقرير موسع نشره موقع شبكة "NBC" الإخبارية الأميركية، والذي طرح في بدايته تساؤلاً حول ما إذا كان هذا المخطط من عمل جهاز مخابرات إيراني؟ أم دولة ثالثة؟ أو أنهم مجرد مجموعة من المخادعين؟
إجابة من تقرير شركة أمن سيبراني
وتجيب تقارير صدرت هذا الأسبوع من شركة "فيسبوك" وشركة "فاير آي" الرائدة في مجال الأمن السيبراني بأنه لا يمكن لأحد أن يجزم بنسبة 100% من كان وراء تنظيم تلك الحملة.
لكن ما تعكسه الحملة الزائفة، بحسب تقارير "فيسبوك" و"فاير آي"، هو أن بيئة الإعلام التي تعمل بالوقود التكنولوجي والتي تجعل الولايات المتحدة منارة عالمية للتعبير الحر ربما فتحت في نفس الوقت الأبواب لاستغلال والتلاعب بالمتلقي الأميركي. ولا يوجد حتى الآن إجابة نهائية عما يجب القيام به لوقف مثل هذه الممارسات بفاعلية.
وقال لي فوستر، الذي يقود فريق تحقيقات شركة "فاير آي": "تم اكتشاف أن الممثلين (منتحلي الصفة)، الذين يشاركون في مثل هذا النوع التأثير على الرأي العام، يستغلون كل الأساليب والتقنيات المختلفة التي تمتد عبر مجموعة واسعة من الوسائط والمنصات".
وأضاف فوستر: "إن هذه قضية عامة على مستوى المجتمع يجب علينا (شركات الأمن السيبراني) أن نتعايش معها ونتوصل إلى طريقة للتعامل معها بفعالية".
وأردف فوستر قائلاً: "هناك مخاطرة حقيقية بأن تتحول ساحة المعلومات الأميركية مفتوحة على مصراعيها فعلياً وبالمجان لجميع أشكال التدخل الأجنبي"
موقف FBI وجرائم التضليل
رفض مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI التعليق، وتم إحالة "إن بي سي نيوز" إلى بيان أدلى به مدير FBI كريستوفر وراي أمام الكونغرس، أوائل الشهر الجاري، قال فيه: "فيما يتعلق بجانب مكافحة التجسس، نواجه (FBI) تحدياً فريداً فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي في التدخل والتأثير من جانب كل من الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران. ويمكنني (واري) أن أسرد الكثير والكثير في هذا السياق".
وبناءً على نصيحة من "فاير آي"، أعلن "فيسبوك"، الاثنين، إغلاق 51 حساباً على موقعه و36 صفحة و7 مجموعات و3 حسابات في "إنستغرام" ثبت تورطهم فيما تم تسميته بـ"أنشطة منسقة غير موثوقة نشأت من إيران".
وقال ناثانيل غليتشر، رئيس إدارة نظم وسياسة الأمن السيبراني في "فيسبوك": "إن الأفراد الذين قاموا بهذه الممارسات، والتي جرت أيضاً على منصات ومواقع إنترنت أخرى، قاموا بتضليل المستخدمين بشأن هويتهم وبما كانوا يهدفون إليه".
وأضاف غليتشر في بيان على مدونته: "لقد زعموا أنهم متواجدون في الولايات المتحدة وأوروبا، واستخدموا حسابات مزيفة لتشغيل الصفحات والمجموعات، وانتحال شخصية وهوية مؤسسات إخبارية شرعية في الشرق الأوسط. كما قام الأفراد الذين يقفون وراء هذا النشاط بانتحال صفة صحافيين أو شخصيات أخرى للاتصال بصانعي السياسة والصحافيين والأكاديميين والمعارضين الإيرانيين والشخصيات العامة الأخرى. وحاول عدد من أصحاب الحسابات المزيفة أيضاً الاتصال بحسابات على تطبيق "إنستغرام"، لنشر محتوى مرتبط بأغراض الحملة المفبركة لاحقاً".
ويشمل إجراء "فيسبوك" حسابات مختلفة ولكنها مرتبطة بتلك الحسابات، التي تم تحديدها بواسطة "فاير آي". وشمل الإجراء الحسابات المزيفة، التي كانت تستهدف بلدانا أخرى إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا.
يقول مسؤولو "فيسبوك" إن شركتهم تقوم بإلغاء الحسابات بسبب التورط في عمليات الخداع، وليس بسبب هويتهم أو ماذا يروجون له.
وأضاف مسؤولو "فيسبوك" أنهم سيثبتون أن عملية الاحتيال كان مصدرها في إيران، لكنهم لم يكن لديهم ما يمكن من خلاله اتهام أشخاص محددين أو الحكومة الإيرانية نفسها.
إجراءات تطهير للمنصات
وقال غليشر إن حملة التطهير، التي تنفذها شركة "فيسبوك"، لا تستهدف محاولات استقطاب المتابعين، ولكن تتعقب وتتصدى لمحاولات إنشاء هويات مزيفة بغرض استخدامها للوصول إلى خداع أناس حقيقيين.
تأتي تلك التصريحات الجديدة في أعقاب تقرير أصدرته شركة "فاير آي" العام الماضي، تم خلاله فضح عملية فبركة وتأثير إيرانية تستخدم مواقع أخبار وحسابات تواصل اجتماعي مزيفة تستهدف الرأي العام في جميع أنحاء العالم. وأوضح التقرير أن التكتيكات الإيرانية شملت انتحال صفة وهوية شخصيات أميركية من جميع المشارب السياسية.
دراسة كندية تتهم إيران
وفي الشهر الماضي، كشف تقرير لفريق باحثين في مركز أبحاث Citizen Lab بجامعة تورنتو الكندية، عما وصفه بأنه عملية منفصلة تهدف للترويج لسياسات النظام الإيراني توظف وسائل التواصل الاجتماعي لنشر مقالات وهمية على الإنترنت، تنصب على شن حملات نقد وهجوم ضد خصوم إيران.
وفي التقرير الأخير لشركة "فاير آي"، تم الإفادة بأنه تم رصد شبكة من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي باللغة الإنجليزية "التي تمارس أنشطة تزوير منسقة وتقوم بممارسات غير نزيهة وتم تقييمها بأنها إلى حد ما تهدف لدعم المصالح السياسية الإيرانية".
وبحسب ما نشرته "إن بي سي نيوز" نقلاً عن التقرير، فإنه "بالإضافة إلى استخدام الشخصيات الأميركية المزيفة، التي تبنت المواقف السياسية التقدمية والمحافظة على حد سواء، انتقدت بعض الروايات أفرادا أميركيين حقيقيين، بما في ذلك مجموعة من السياسيين الجمهوريين الذين ترشحوا لمقاعد مجلس النواب في 2018".
ويشير تقرير "فاير آي" إلى أنه يبدو أن معظم حسابات تلك الشبكة على منصة "تويتر" تم إغلاقها في التاسع من الشهر الجاري أو نحو ذلك.
إغلاق آلاف الحسابات
ووفقاً لمتحدث باسم "تويتر"، "تم إزالة هذه الشبكة المكونة من 2800 حساب غير حقيقي مصدرها إيران في بداية مايو.
وأصدرت شركة "فاير آي" تقريراً، اختارت عدم مشاركة معلوماته أو الرؤى المتعلقة به مع "تويتر" قبل النشر، فيما يعد تصرفاً غير مقبولاً في إطار أعراف الاحترافية المسؤولة. فيجب أن يشمل الكشف المسؤول الإخطار ومشاركة المعلومات للحماية ضد الجهات الناشطة المسيئة. إن الاطلاع على هذه العناصر علانية يضر بمصداقية مجتمع البحوث الأمنية، الذي ندعمه ونقدر رؤيته".
وأضاف المتحدث باسم تويتر قائلا: "إن تحقيقاتنا (تويتر) جارية بشأن هذه الحسابات. ونحن نواصل التحقيق في الشبكات ومنتحلي الصفة المزيفين المحتملين على نطاق أوسع، وعادة ما نتجنب إصدار أي بيانات عامة حتى نتمكن من التأكد من أننا (تويتر) وصلنا إلى نتائج تتماسى مع معاييرنا، بمجرد الانتهاء من مراجعتنا، نكشف عن مجموعات الحسابات الكاملة والمحتوى في أرشيف العمليات المعلوماتية في تويتر من أجل دعم وتمكين البحوث العامة والأكاديمية."
وأفاد تقرير "فاير آي" أن الأشخاص أصحاب الحسابات المزيفة في الشبكة الإيرانية قاموا بنشر مواد صحافية في وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية، وقاموا بالتأثير والضغط على الصحافيين لتغطية مواضيع بعينها، ويبدو أنهم قاموا أيضاً بإجراء مقابلات بالصوت أو الفيديو مع مواطنين أميركيين وبريطانيين حسني النية حول مختلف القضايا السياسية.
وغردت العديد من الحسابات بنفس المحتوى والمضمون، فيما تمكنت شركة "فاير آي" من ربط الخيوط التي تثبت أنها تتبع جميعا نفس المصدر والهدف.
وأشار تقرير "فاير آي" إلى أنه "على الرغم من أننا (فاير آي) لم نربط هذه الحسابات في الوقت الحالي بعملية التأثير الأوسع، التي حددناها في العام الماضي، إلا أنها روجت لمواد تتماشى مع المصالح السياسية الإيرانية بطريقة مشابهة للحسابات التي سبق أن قمنا برصد أنها إيرانية المنشأ".
وقالت "فاير آي" في تقرير حصلت عليه شبكة "إن بي سي نيوز": "يبدو أن معظم الحسابات التي تنتمي لهذه الشبكة قد تم تعليقها في مساء يوم 9 مايو 2019 أو نحو ذلك".
الأهداف الحقيقية لحملة الاحتيال
أعرب الأشخاص المزيفون في إطار الحملة المفبركة عن تأييدهم للصفقة النووية الإيرانية، ونددوا بتسمية إدارة ترمب لفيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية، وانتقدوا مؤتمراً، تم عقده بقيادة الولايات المتحدة في وارسو وركز على النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
كما انتقدوا الفيتو التي اتخذه ترمب ضد قرار أصدره الكونغرس لإنهاء مشاركة الولايات المتحدة في الأزمة باليمن.
انتحال شخصيات وتزوير متقن
وقال تقرير "فاير آي" إن هناك بعض المؤشرات على أن الشبكة كان يديرها الإيرانيون. فعلى سبيل المثال، كان هناك حساب واحد على الشبكة باسم AlexRyanNY، والذي تم إنشاؤه في عام 2010، ولم يحمل إلا تغريدتين ظاهرتين فقط حتى عام 2017، وكانت إحداهما باللغة الفارسية وترجع إلى عام 2011. ثم في عام 2017، ادعى حساب AlexRyanNY في تغريدة بأنه يخص سيدة "إيرانية تدعم هيلاري".
وأضاف تقرير "فاير آي" أنه على الرغم من تعيين معظم حسابات شبكة الاحتيال على لغات الواجهة الخاصة بها إلى اللغة الإنجليزية، فقد تم تعيين لغة واجهة واحدة على اللغة الفارسية.
في العام الماضي، قام أحد الحسابات المزيفة بانتحال شخصية مارلا ليفنغود، مرشحة الحزب الجمهوري لمنطقة الكونغرس التاسعة في كاليفورنيا، مستخدماً صورة شخصية لمارلا ليفنغود ولافتة دعاية من حملتها.
وأوضح تقرير "فاير آي" أن الحساب المزيف بدأ في التغريد بشأن الأخبار العامة، ولكن بعد ذلك تم التحول إلى الترويج لمواد أكثر ارتباطاً بالمصالح الإيرانية، مع محاولة للإساءة إلى المملكة العربية السعودية.
محاولة الإساءة للسعودية
كشف حساب مزيف آخر عن انتحال شخصية جينيا بتلر، مرشحة الحزب الجمهوري لمنطقة الكونغرس الثالثة عشرة في نيويورك، وتم أيضاً استخدام صورة بتلر للملف الشخصي ودمج شعارات حملتها الانتخابية في صورتها الخلفية، وكذلك شمل بيانات سيرتها الذاتية في الحساب المزيف على "توتير" بأنها "تتنافس على مقعد مجلس النواب الأميركي منطقة نيويورك الثالثة عشرة" بل وتم ربط الحساب المزيف بالموقع الإلكتروني الخاص بالمرشحة البرلمانية jineeabutlerforcongress.com.
كما انتحلت الشبكة المزيفة شخصية مواطنين أميركيين بشكل عام، حيث تم إنشاء حساب مزيف باسم "إد سوليفان"، والذي تم من خلاله بعث رسائل نُشرت في صحيفتي "نيويورك ديلي نيوز" و"لوس أنجلوس تايمز"، حملت إحداها عنوان: "لا تتجاهل جريمة قتل خاشقجي".
المخابرات الأميركية تستطيع كشفهم
يقول الخبراء إن وكالات الاستخبارات الأميركية لديها القدرة على تحديد ما إذا كانت هذه الممارسات في إطار حملة تأثير إيرانية. وقال تقرير شركة "فاير آي" إنه سيتم مواصلة البحث عن إجابة لهذا السؤال.
ويخلص التقرير إلى أنه "إذا كانت الشبكة إيرانية المنشأ أو مدعومة من قِبل الجهات الفاعلة الحكومية الإيرانية، فإنه سيُظهر أن أساليب محاولات التأثير الإيراني تمتد إلى ما هو أبعد من استخدام المواقع الإخبارية غير الموثوقة، وشخصيات التواصل الاجتماعي المزيفة، لتشمل أيضاً انتحال شخصية أفراد على وسائل التواصل الاجتماعي والاستفادة من وسائل الإعلام الغربية المشروعة لنشر رسائل تروج لسياسات النظام الإيراني بطريق الغش والخداع".