هل أنهى الاتفاق بين واشنطن وأنقرة، جميع نقاط الخلاف العالقة بين الطرفين، حول المنطقة الآمنة؟
سؤال تبادر إلى ذهن أغلب المراقبين والمهتمين بالشأن السياسي السوري أو التركي، على حد سواء.
وكان الغموض هو العنوان الأبرز، لاتفاق أنقرة وواشنطن، حول ما يعرف بالمنطقة الآمنة أو الأمنية التي تريدها أنقرة على الجانب السوري، بعمق لا يقل عن 30 كيلومتراً، مع اشتراط أن تكون تحت سيطرتها، وانسحاب جميع الوحدات الكردية منها، وكذلك هدم مخازن تسليح تلك المجموعات التي تتهمها أنقرة بتهديد أمنها القومي وتتعامل معها بصفتها "إرهابية" وفق ما قال الكاتب السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، الخميس، في لقاء متلفز، تعليقاً على الاتفاق المذكور.
وجاء الإعلان عن الاتفاق التركي الأميركي، بعد تهديد الرئيس التركي بعملية عسكرية وشيكة، لقواته في شرقي الفرات لطرد الفصائل الكردية، والذي تلاه إعلان أميركي برفض أي عملية تركية في المنطقة، وفق تصريح لوزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، الثلاثاء، قال فيه، إن بلاده ستمنع أي اجتياح أحادي الجانب، في شمالي سوريا، معتبراً أي عملية عسكرية تركية، هناك، غير مقبولة.
ممر سلام أقل من الطموح التركي
وإثر الموقفين الواضحين، من جانب أنقرة وواشنطن، الأول المعلن اقتراب عملية عسكرية، والثاني الرافض لها، ولد الاتفاق بين الطرفين على ما عرف بـ"ممر آمن" أو "ممر سلام" دون إشارة نهائية إلى منطقة آمنة، يتضمن إنشاء مركز عمليات، مقرة تركيا، لا سوريا، للتنسيق وإدارة المنطقة الآمنة، مع الإشارة إلى أن الاتفاق المذكور، لن يتم تنفيذه دفعة واحدة، بل على مراحل، وفق وزارة الدفاع الأميركية.
ووسط غياب رد فعل روسي وإيراني، عبر النظام السوري، فوراً، عن رفضه اتفاق المنطقة الآمنة، عبر بيان صادر من وزارة خارجيته، فيما عبّر قيادي كردي لـ"الشرق الأوسط" عن أن الاتفاق التركي الأميركي المذكور، جاء بسبب غياب حوار سوري-سوري، مضيفاً أن المفاوضات السابقة بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، لو انتهت إلى اتفاق، لما بقيت المنطقة في الشمال، عرضة لتهديدات تركية وتدخلات دولية، بحسب ما أفاد به للمصدر السابق، محذراً من أن يكون المسعى التركي بالمنطقة الآمنة، مقدمة لاقتطاع هذا الجزء من الأراضي السورية، فيما الإدارة الذاتية ترفض سلخ المنطقة من سوريا، باعتبارها جزءاً من الأراضي السورية وخاضعة لسيادة سوريا، وفق قوله.
الاتفاق لم يلبّ شروط أنقرة
ورأى سياسيون أتراك، أن الاتفاق بشأن (المنطقة الآمنة) ليس أكثر من اتفاق مبدئي، فيما ما تريده تركيا، بالنسبة لعمق المنطقة وإدارتها وانسحاب الفصائل الكردية منها، لا يزال خارج الاتفاق المعلن عنه. فيما اعتبر بعض السياسيين الأكراد السوريين، الاتفاق بمثابة تخفيف للتوتر يكبح جنوح أنقرة، لاجتياح المنطقة. واعتبر محللون عرب، الاتفاق عبارة عن كسب للوقت. فيما هناك، شبه اتفاق أن أي منطقة آمنة، تحتاج توافقاً دولياً، وأنه لا يكفي التفاوض التركي الأميركي، لإقامتها.
موقف واشنطن
موقف واشنطن بخصوص المنطقة الآمنة، يعمل على عدم وقوع صدام مع قوات تركية هي جزء من حلف الناتو الذي تتزعمه واشنطن، وفي الوقت نفسه، لا تريد واشنطن أن تتخلى عن أحد أهم حلفائها في سوريا المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية. وبين عدم الصدام مع تركيا، وعدم التخلي عن الأكراد في الشمال، ولد اتفاق تركيا وأميركا. لكن بدون أن يعطي للأتراك كل شيء، وبدون أن يظهر الأكراد، كما لو أنهم "بلا حماية".
موقف روسيا
موقف روسيا من المنطقة الآمنة، فيه شق معلن مرتبط بموقف النظام السوري والانسجام معه. أما غير المعلن منه، فهو أن أي اتفاق إيجابي بين تركيا وأميركا، سيصب في صالح النظام السوري، لأنه سيدفع بالكرد إلى حضنه، سواء للحماية أو للتنسيق المشترك. أما إذا لم يكن هناك اتفاق إيجابي بين الأتراك والأميركيين، فإن أنقرة ستبدو أكثر ضعفاً، مما سيقربها أكثر من موسكو. مع الإشارة إلى أن الاتفاق المذكور، لم يلبّ جميع شروط أنقرة، خاصة منها عمق المنطقة وهوية إدارتها، ما جعل من غموضه، تكتيكاً لمنع روسيا من اللعب على تناقضاته والإفادة من ثغراته، الأمر الذي دفع الروس للتريث بإعلان موقف منه، بحسب تحليلات.
موقف موسكو، في الحالين، اتفاق أو عدم اتفاق، هو الارتياح في المدى القريب. فيما حذرت الأمم المتحدة من تبعات إنسانية فادحة، لأي تدخل عسكري محتمل في الشمال السوري.
الغموض منعاً للاستثمار السياسي والعسكري
تخفيف التوتر وكسب الوقت واتفاق مبدئي، جميعها عبارات جاءت تعليقاً على اتفاق أنقرة وواشنطن الذي يبدو أنه يحتاج مزيداً من التفاوض أسس لأجله ما عرف بمركز عمليات في تركيا. لكن لماذا تأسس في تركيا لا في سوريا إذا كانت واشنطن قد أقرت لأنقرة بالشمال السوري؟
إعلان تركيا عن إعادة اللاجئين السوريين، إلى المنطقة الآمنة التي لم تحدد مساحتها بعد، ولم يتفق على تفاصيلها بشكل نهائي، قابلته أميركا بموافقة غير مشروطة سوى بأن لا يتم ترحيل اللاجئين قسرياً، ولهذا وردت عبارة "ممر سلام" على الحدود، وبرأي سياسيين، فإن أميركا ستسعى لسحب هذه الورقة من أنقرة، لطالما استعملتها مبرراً لبسط سيطرتها على عمق 30 كيلومتراً في الأراضي السورية، الأمر الذي يمكن أن يضطر واشنطن لخسارة أكبر حلفائها داخل سوريا، وهذا ما رفضته أميركا، علناً، الثلاثاء، على لسان وزير الدفاع.
الاتفاق الأكثر غموضاً
لكن، كيف يمكن لأميركا أن تتفق مع تركيا دون أن تضحي بحليفها الكردي في سوريا؟ وكيف لواشنطن أن تهدئ مخاوف أنقرة، دون أن يؤدي ذلك لمكاسب لصالح الروس مع الكرد؟
لا يزال الاتفاق، يتجنب توضيح الآلية التي ستتحرك فيها واشنطن بين تلك النقاط، ولهذا جاء الغموض فيه، لإبعاد شبح تقاسم تبعاته، سواء من الروس أو نظام الأسد أو حليفه الإيراني الذي لا يزال بعيداً عن السمع في هذا الاتجاه، مع الإشارة إلى أن هامش المناورة، بين جميع الأطراف، ضئيل للغاية، خاصة وأن نظام الأسد يقضم باتجاه إدلب، ما رأى فيه البعض إيحاء بنوع من توافق تركي مع الروس، لوحت به أنقرة، في وجه أميركا، من خلال سكوتها عن قصف الأسد وموسكو لإدلب، في الساعات الأخيرة التي انتهت باتفاق هو الأكثر غموضاً بين جميع الاتفاقيات ذات الصلة بسوريا، منذ عام 2011.