لا يقل المناخ السياسي المتوتر بين ركني التسوية الرئاسية المسيحيين، “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، حماوةً عن موجة الحر التي تلفح لبنان مسجلة درجات حرارة قياسية. فما بلغه مستوى السجالات بين الطرفين، ان بالمباشر او عبر الأوساط، لامس الذروة، ولا يبدو متجها في مسار تراجعي، في ضوء انكفاء الجهود المبذولة في اتجاه التبريد منعا للانفجار، وبلوغ المساعي التي تحرك على خطها بعض الوسطاء و”سعاة الخير” الحائط المسدود، وفق معلومات “المركزية”، اذ ووجِه هؤلاء بتصلب في المواقف حال دون اطفاء جمر السجالات المتّقد الذي يتهدد “تفاهم معراب” على رغم حرص المعنيين عليه.
فبعيد مواقف وزير المهجرين غسان عطاالله عن عدم تحقيق المصالحة وخشية المسيحيين من المبيت في الجبل ثم اقرار الأربعين مليار ليرة لموازنة وزارته التي اعترض عليها وزراء “القوات” خلال جلسة مجلس الوزراء لعدم وجود خطة واضحة تفنّد كيفية صرف المبلغ، نقلت بعض وسائل الاعلام الجمعة عما نسبته الى اوساط عونية دعوتها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الى الاعتزال بالقول أمام “إخفاقات الدكتور سمير جعجع التاريخية عليه امتلاك شجاعة الاعتزال”، فسارعت معراب الى الرد وقالت اوساطها لـ”المركزية” ان “الاوساط العونية تصرّ على الخلاف من زاوية التحدي والاستفزاز وتزوير التاريخ واستحضار الماضي بشكل مبتور وحرف الحقائق ونبش القبور”، وأكدت ان “كل ما ذكرته الاوساط العونية من محطات في المقال المشار اليه هي اوسمة على صدر جعجع ومسيرته النضالية والقضية، ونحيل هؤلاء على الآية في الإنجيل التي تقول “ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه”، وما فعله جعجع انه كان منسجما مع نفسه وأفكاره وقناعاته فربح قضيته، ويكفيه فخرا انه لم يهرب ولم يخل ساحة المعركة ولم يبدل في توجهاته ولم يتراجع عن اتفاقاته، ومن عليه الاعتزال حقيقة هو الوزير جبران باسيل الذي يريد إحياء الحرب تارة مع الشيعة وتارة أخرى مع السنّة وطورا مع الدروز وفي كل المرات داخل البيئة المسيحية، وبالتالي يُشكّل اعتزاله مصلحة لجميع اللبنانيين الذين لا يريدون ان يُعيدهم باسيل الى مناخات الحرب والانقسام والفتنة والتشرذم”.
وأضافت الأوساط القواتية: “ان من عليه الاعتزال فعلا هو الذي يُشكل خطرا على الاستقرار والعيش المشترك والمصالحات اللبنانية -اللبنانية، اي الوزير باسيل طبعا، وليس من ساهم في إنهاء الحرب ورعاية اتفاق الطائف ومد الجسور مع الموحدين الدروز في مصالحة الجبل، ومع السنّة وسائر اللبنانيين في انتفاضة الاستقلال، ومع “التيار الوطني الحر” وأخيرا مع “المردة” وأولويته بناء الدولة، فيما الشغل الشاغل للوزير باسيل تخريب كل هذا المسار وإعادة انتاج الحرب الأهلية من خلال خطابه الفتنوي والاستفزازي والتحريضي”.
امام هذا الواقع، وما بلغه الخلاف بين القوتين السياسيتين الاقوى على الساحة المسيحية، تؤكد اوساط سياسية مسيحية لـ”المركزية” ان “الوضع بين “التيار” و”القوات” لم يعد يحتمل المزيد من الانزلاق، وإلا فإن استمرار التدهور سيطيح كل الانجازات التي تحققت لرأب الصدع بين الطرفين المسيحيين وتُوجت بتفاهم معراب منذ عامين ونصف العام، ودعت قيادتي الحزبين الى لجم التدهور والتعاطي بمسؤولية مع ما يجري، بعيدا من تصفية الحسابات السياسية والتطلعات الرئاسية”. وسألت “لمصلحة من استهداف التفاهم المسيحي في لحظة داخلية حسّاسة وإقليمية بالغة الدقة، حيث تترقب المنطقة تبديلات جذرية في المشهد العام ستنسحب مفاعيله حكما على الساحة اللبنانية، فهل في الافق، يدٌ خفية، تسعى الى بث سموم الفرقة بين المسيحيين لإعادتهم الى زمن الصراع والخلافات من اجل احكام قبضتها على السلطة حينما تدق ساعة التغيير”؟