يا شربل ما تصلّي عنّا!

يا شربل ما تصلّي عنّا!
يا شربل ما تصلّي عنّا!

كتب جوزف طوق في “الجمهورية”:

 

في عيدك، بدل أن نقدّم لك هدية نطلب منك هدايا المعجزات والشفاعات، وبدل أن نطفئ لك شمعة ننير آلاف الشموع.

ما بعرف إذا إنت مغنّجنا كتير، أو إذا نحنا صرنا كتير آخدين وجّ عليك… لكن في الفترة الأخيرة بدأنا نشعر أنّ نِعَمك وعجائبك أصبحت كثيرة علينا، وفي الغالب نحن لا نستحقها. كلّما استجدّت أزمة على البلد، تدور التلفزيونات والإذاعات تطلب شفاعتك، وكلّما أصابنا مرض أو عوز تدور سياراتنا لنزورك في ديرك ومحبستك، وكلّما احتاج أولادنا علامات في المدرسة أو الجامعة تدور شموعنا تستعطيك النجاح، وكلّما اشترينا تذكرة سفر أو تقدّمنا لوظيفة جديدة أو بدأنا مشروعاً، أو حتى إذا تعطّل المكيّف في غرفة نومنا أو خربت فرامل دراجتنا الهوائية نلتجئ إليك طلباً للمساعدة، ودائماً نجدك هناك تردّ الطلب بمئة طريقة…

متى ستتركنا؟ متى ستردّ الملتجئين إليك؟ متى ستظهر لتقول لنا اعتمدوا على أنفسكم قليلاً فأنا قد تعبت منكم ومن طلباتكم؟

متى ستقول لنا انّ البلد لا يحتاج عجيبة ليستقيم، بل يحتاج الكثير من الالتزام والقليل من الوعي والمحاسبة حتى يصبح وطناً يليق بمحبسة فنيت عمرك بالتعب والجوع والصلاة لتجعله محجّاً للمسيحيين والمسلمين من كل أصقاع الأرض.

متى ستطفئ شمعة أمّ أمام صورتك على رفّ في البيت لتقول لها انّ ابنك لا يحتاج عجيبة حتى ينجح، وإنما يحتاج إلى الدرس والمثابرة والثقة بأنه قادر أن يتخطّى امتحاناته.

متى ستغيّر مسار سياراتنا المتراصفة على طريق عنايا وتطلب منها الرجوع من حيث أتت، لأنّ الجوع والعوز وقلّة المال لا يحتاجون إلى عجيبة حتى يصبحوا ثروات، وإنما يحتاجون إلى العمل والنشاط.

مهلاً، أنت لن تجيب على أيّ من هذه الأسئلة ولن تحقّق أي طلب مذكور، لأننا وسط رائحة البخور وأمام ضوء الشموع الراقص على رخام ضريحك، ننسى معظم الوقت أنّ هناك شيئاً أهمّ من العجائب تقدّمه لنا، ننسى أنّك تعلّمنا التعايش والمساواة، وتعلّمنا الصبر والمثابرة، وتعلّمنا الإيمان… الإيمان ليس بك أو بقدرتك، وإنما الإيمان بأنفسنا، الإيمان بأننا قادرون أن نغيّر متى صدّقنا وآمنّا بقدراتنا. لأنك بين الراكعين والطالبين والخاشعين لا تفرّق بين الأديان والألوان والأعراق والمذاهب… أنت تستجيب فقط، ليس لتثبت قدرتك على اجتراع المعجزات وإنما لتذكّرنا في كلّ مرّة أننا متساوون بالإيمان ومتساوون بالحقوق ومتساوون بالعجائب.

ونحن، ما أن نغادر عنايا أو نشيح وجهنا عن صورتك حتى نعود إلى انقساماتنا وتخاذلنا وكرهنا لبعضنا البعض وعدائنا تجاه الآخرين إذا اختلفوا معنا.

ونحن، ما أن نحصل منك على ما نريد حتى نعود لكسلنا وجهلنا وتقصيرنا، نستلقي على الكنبات عارفين أننا سنجدك عندما نطلبك.

شربل نحن لا نريدك أن تصلّي عنّا، نحن نريدك أن تصلّي معنا، نريد أن تعلّمنا وتخبرنا كيف أنّ من تكون حياته معجزة يصبح قادراً على أن يحقّق المعجزات ويلبّي الطلبات.

شربل نحن لا نريدك أن تصلّي عنّا حتى يتاح لنا الاستسلام أمام كل مشقّات الحياة، سواء الوطنية أو العائلية أو الصحيّة أو المالية، نحن نريدك أن تصلّي معنا وتعلّمنا كيف استطعت بتصميمك وإيمانك أن تجعل من محبسة وطن يلتجئ إليه المسلمون والمسيحيون، المرضى والأصحاء، الفقراء والأغنياء، الأصدقاء والأعداء.

شربل، ما تصلّي عنّا… صلّي معنا حتى نتعلّم أن نذهب إلى عنايا ليس فقط للطلب منك، وإنما لنشكرك ونساعدك في أن نكون صورة عنك وعن أخلاقك وحماستك ومحبتك وتواضعك، ليس فقط أمامك وإنما في يومياتنا… صلّي معنا حتى نصبح قديسين بوطنيتنا واجتماعياتنا ومثابرتنا وإيماننا… صلّي معنا حتى نعرف أننا قادرون أن نجعل حياتنا معجزة ونحوّل تصرفاتنا صلاة تغيّر حياة الآخرين.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى